فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (8):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [8].
{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} أي: جماعة من الأوقات محصورة. والعذاب هو عقاب الآخرة، أو عذاب الدنيا ببدر، أو هلاك المستهزئين الذين ماتوا قبل بدر: {لَّيَقُولُنَّ} أي: استهزاء: {مَا يَحْبِسُهُ} أي: عنا {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم} أي: دار ونزل بهم: {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} أي: العذاب الذي كانوا به يستعجلون.
لطيفة:
الأمة تستعمل في الكتاب والسنة في معان متعددة، فيراد بها الأمد كما هنا، وقوله في يوسف: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّة} [يوسف: من الآية 45]، والإمام المقتدى به، كقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ} [النحل: من الآية 120]، والملة والدين كآية: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةِ} [الزخرف: من الآية 22- 23]، والجماعة كآية: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُون} [القصص: من الآية 23]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36]- أفاده ابن كثير-.
ثم أخبر سبحانه عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين، بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (9):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} [9].
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} أي: نعمة: {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ} أي: قنوط عن عَوْدِهَا، قطوع رجاءه من فضله تعالى، من غير صبر ولا تسليم لقضائه: {كَفُورٌ} عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله، كأنه لم ير خيراً.

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [10].
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} أي: المصائب التي ساءتني: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} أي: أشر بطر: {فَخُورٌ} أي: على الناس بما أذاقه الله من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [11].
{إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} أي: على الضراء، إيماناً واستسلاماً لقضائه: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أي: في الرخاء والشدة، شكراً لآلائه، سابقها ولاحقها: {أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ} أي: لذنوبهم بتلك الشدة: {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أي: على الصبر والأعمال الصالحة.
تنبيه:
قال القاشاني قدس سره: ينبغي للإنسان أن يكون في الفقر والغنى، والشدة والرخاء، والمرض والصحة، واثقاً بالله، متوكلاً عليه، لا يحتجب عنه بوجود نعمة إلا بسعيه وتصرفه في الكسب، ولا بقوته وقدرته في الطلب ولا بسائر الأسباب والوسائط؛ لئلا يحصل اليأس عند فقدان تلك الأسباب والكفران والبطر والأشر عند وجودها، فيبعد بها عن الله تعالى، وينساه فينساه الله، بل يرى الإعطاء والمنع منه دون غيره. فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة شكره أولاً برؤية ذلك منه، وشهود المنعم في صورة النعمة، وذلك بالقلب ثم بالجوارح، باستعمالها في مراضيه وطاعته، والقيام بحقوقه تعالى فيها، ثم باللسان بالحمد والثناء متيقناً بأنه القادر على سلبها، محافظاً عليها بشكرها، مستزيداً إياها، اعتماداً على قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم} [إبراهيم: من الآية 7].
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر. ثم إن نزعها منه فليصبر ولا يتأسف عليها، عالماً بأنه هو الذي نزع دون غيره؛ لمصلحة تعود إليه، فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في تربيته إياه، بل أرأف وأرحم، فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى، إذ لا يرى إلا عاجل مصالحه وظاهرها، وهو العالم بالغيب والشهادة، فيعلم ما فيه صلاحه عاجلاً وآجلاً، راضياً بفعله، راجياً إعادة أحسن ما نزع منها إليه، إذ القانط من رحمته بعيد منه، لا يستوسع رحمته لضيق وعائه، محجوب عن ربوبيته، لا يرى عموم فيض رحمته ودوامه. ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها، كما لم يحزن بفقدانها، ولا يفخر بها على الناس، فإن ذلك من الجهل، وظهور النفس، وإلا لعلم أن ذلك ليس منه وله، وبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه؟ بل لله ومن الله.
وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ} استثناء من {الإنسان} أي: هذا النوع يؤوس كفور، فرح فخور، في الحالين، إلا الذين صبروا مع الله واقفين معه، في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء، كما قال عمر رضي الله عنه: الفقر والغنى مطيتان، لا أبالي أيهما أمتطي. انتهى.

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [12].
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائقٌ بِهِ صَدْرُكَ} أي: بتلاوته عليهم، وتبليغه إليهم {أَن يَقُولُواْ} أي: مخافة أن يقولوا، تعامياً عن تلك البراهين التي لا تكاد تخفى صحتها على أحد ممن له أدنى بصيرة، وتمادياً في العناد على وجه الاقتراح {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ} أي: هلا أنزل عليه ما اقترحنا من الكنز والملائكة، زعماً أن الرسول متبوع، لابد له من الإنفاق على أتباعه، ولا يتأتى مع عدم سلطنته إلا بإلقاء الكنز عليه، أو مجيء ملك معه يصدق برسالته، فقال تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ} أي: ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك، غير مبال بما صدر منهم من الاقتراح: {وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي: فيحفظ ما يقولون ويجازيهم عليه، فكل أمرك إليه، وبلغ وحيه بقلب منشرح، غير مبال بهم.
لطائف:
الأولى: قال القاشاني: لما لم يقبلوا كلامه صلى الله عليه وسلم بالإرادة، وأنكروا قوله بالاقتراحات الفاسدة، وقوله بالعناد والاستهزاء، ضاق صدره، ولم ينبسط للكلام، إذ الإرادة تجذب الكلام، وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم، ويوجب بسطه فيه، وإذا لم يجد المتكلم محلاً قابلاً لم يتسهل له، وبقي كرباً عنده، فشجعه الله تعالى بذلك، وهيج قوته ونشاطه بقوله: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ}، فلا يخلو إنذارك من إحدى الفائدتين: إما رفع الحجاب أن ينجع فيمن وفقه الله تعالى لذلك، وإما إلزام الحجة لمن لم يوفق لذلك، ثم كل الهداية إليه.
الثانية: لا يخفى أن لعل للترجي، وهو وإن اقتضى التوقع، إلا أنه لا يلزم من توقع الشيء وقوعه، ولا ترجح وقوعه؛ لوجود ما يمنع منه وتوقع ما لا يقع منه، المقصود تحريضه على تركه، وتهييج داعيته.
وقيل: لعل هنا للتبعيد لا للترجي، فإنها تستعمل كذلك، كما تقول العرب: لعلك تفعل كذا، لمن لا يقدر عليه. فالمعنى: لا تترك.
وقيل: إنها للاستفهام الإنكاري، كما في الحديث: «لعلنا أعجلناك».
وقيل: هي لتوقع الكفار، فكما تكون لتوقع المتكلم، وهو الأصل؛ لأن معاني الإنشاءات قائمة به تكون لتوقع المخاطب أو غيره، ممن له ملابسة بمعناه كما هنا. فالمعنى: إنك بلغت الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه- كذا في العناية-.
الثالثة: إنما عدل عن ضيق الصفة المشبهة إلى {ضائق} اسم الفاعل؛ ليدل على أنه ضيق عارض، غير ثابت؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدراً. وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحول إلى فاعل، فيقولون في سيد: سائد، وفي جواد: جائد، وفي سمين: سامن، قال:
بمنزلة أما اللئيم فسامن ** بها وكرام الناس باد شحوبها

وظاهر كلام أبي حيان أنه مقيس. وقيل إنه لمشابهة {تارك}. ومنه يعلم أن المشاكلة قد تكون حقيقة- كذا في العناية-.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [13].
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي: ما يوحى إليك، وفي {أم} وجهان منقطعة مقدرة بـ بل والهمزة الإنكارية أي: بل أيقولون. ومتصلة والتقدير: أيكتفون بما أوحينا إليك، وهو ما في الإعجاز، أم يقولون ليس من عند الله.
{قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ} أي: للاستعانة: {مَنِ اسْتَطَعْتُم} أي: من الإنس والجن، وقوله: {مِّن دُونِ اللّهِ} متعلق بـ: {ادْعُواْ}، أي: متجاوزين الله تعالى: {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي: في أني افتريته، فأنتم عرب فصحاء مثلي، لاسيما وقد زاولتم أساليب النظم والنثر والخطب.

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِ لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [14].
{فَإِ لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ} أي: بما لا يعلمه غيره من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليها: {وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} أي: واعلموا عند ذلك أن لا إله إلا الله، وأن توحيده واجب، والإشراك به ظلم عظيم {فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} أي: مبايعون بالإسلام، منقادون لتوحيد الله، وتصديق رسوله بعد هذه الحجة القاطعة؟.
لطائف:
الأولى: قيل: تُحُدُّوا أولاً بعشر سور، فلما عجزوا تُحُدُّوا بسورة. وذهب المبرد إلى أن الأمر بالعكس، ووجهه بأن ما وقع أولاً هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الإخبار عن المغيبات والأحكام وأخواتها، وهي الأنواع التسعة المنظومة في قول بعضهم:
ألا إنما القرآن تسعة أحرف ** سأنبيكها في بيت شعر بلا ملل

حلال حرام مُحكم مُتشابه ** بشير نذير قصة عظة مثل

فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بالإتيان بعشر سور مثله في النظم، وإن لم تشتمل على ما اشتمل عليه، ويشهد له توصيفها بـ: {مفتريات}.
وقيل: إن التحدي بسورة وقع بعد إقامة البرهان على التوحيد وإبطال الشرك، فتعين أن يكون لإثبات النبوة بإظهار معجزة، وهي السورة الفذة. والتحدي بعشر وقع بعد تعنتهم واستهزائهم، واقتراحهم آيات غير القرآن؛ لزعمهم أنه مفترى، فمقامه يناسبه التكثير؛ لأنه أمر مفترى عندهم، فلا يعسر الإتيان بكثير مثله- كذا في العناية-.
الثانية- ضمير {لكم} للنبي صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم، كما في قول من قال:
وإن شئت حرمت النساء سواكم

أو له وللمؤمنين؛ لأنهم أتباعه في الأمر بالتحدي. وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم ألا ينفكوا عنه عليه الصلاة والسلام، ويناصبوا معه لمعارضة المعارضين، كما كانوا يفعلونه في الجهاد وإرشاد إلى أن ذلك مما يفيد الرسوخ في الإيمان والطمأنينة في الإيقان، ولذلك رتب عليه قوله عز وجل: {فاعلموا} الخ. وجوز أن يكون الخطاب في الكل للمشركين من جهته عليه السلام، داخلاً تحت الأمر بالتحدي، والضمير في {لم يستجيبوا} لـ: {من استطعتم} أي: فإن لم يستجب لكم سائر من تجأرون إليهم في مهماتكم إلى المعاونة، فاعلموا أن ذلك خارج عن دائرة قدرة البشر، وأنه منزل من خالق القُوى والقُدَر- كذا في أبي السعود-.
ثم بيَّن تعالى وعيد من آثر الحياة الدنيا على الآخرة- وهم الكفار- بقوله:

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} [15].
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} أي: نوصل إليهم جزاء أعمالهم فيها من الصحة والرزق.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [16].
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} أي: وحبط في الآخرة ما صنعوه، أن لم يكن لهم ثواب عليه. وجوز تعلق الظرف بـ: {صنعوا} والضمير للدنيا. كما عاد عليه في قوله: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود: من الآية 15]، {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: كان عملهم في نفسه باطلاً؛ لأنه لم يعمل لغرض صحيح.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء: 18- 20]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20].
لطيفة:
في إعراب {باطل} وجهان:
الأول: كونه خبراً مقدماً، و{ما كانوا} مبتدأ مؤخراً، و{ما} مصدرية أو موصولة، والكلام من عطف الجمل.
والثاني: كونه عطفاً على الأخبار قبله، أي: أولئك باطل ما كانوا يعملون.
و: {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فاعل بـ: {باطل} ورجح هذا بقراءة زيد بن علي رضي الله عنهما، {وَبَطَلَ} ماضياً معطوفاً على {حَبِطَ}.
ثم أشار تعالى إلى صفة المؤمنين في مقابلة أولئك بقوله سبحانه: